Back

اليوم الذي يلي داعش: حوکمة اقليم كوردستان العراق

لقد سبب القتال ضد الدولة الإسلامية في ظهور ما يسمى بتأثير ” الالتفاف حول الراية” بين الكورد  في العراق. حيث أنه حالما تتم هزيمة الدولة الإسلامية ستظهر إلى العيان قضايا سياسية واقتصادية رئيسية طالما تم تجاهلها في اقليم كوردستان العراق. لذا من الأهمية تناول هذه القضايا أو معالجتها الآن، ذلك لأن الفشل في تحقيق التقدم في هذه القضايا سيؤدي إلى عواقب وخيمة للإقليم

أنقر هنا لتحميل التقرير السياساتي

المقدمة

بدأت معركة تحرير الموصل من تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في ١٧، تشرين الأول ٢٠١٦، اي مايقارب سنتان ونصف عقب احتلال المدينة. حتى الان، تبدو أن الحملة ناجحة إلی حد بعيد وأنها تتحرك بخطى ثابتة نحو الامام. ومع ذلك، فبتوجه المعرکة الى داخل مدينة الموصل، ستزداد صعوبة القتال ويتباطأ التقدم بشكل ملحوظ وسلطت الكثير من التحليلات الضوء على مدى تعقيد حال اليوم الذي سيلي الدولة الأسلامية في الموصل. و على أية حال، عندما تتم هزيمة الدولة الأسلامية بشكل نهائي ستنعكس عواقبها على المناطق الاخرى غير الموصل وستؤثر كذلك على البلد بأكمله. أما فيما يخص إقليم كوردستان فان حكومته والبيشمركة بشكل خاص لعبتا  دورا مهما في القتال ضد الدولة الأسلامية في وقت يمر فيه الاقليم بأزمة اقتصادية حادة. لذا من المهم ان نوضح كيف ان الديناميات في النظام السياسي الواسع لاقليم كوردستان العراق ستتغير حالما تتوقف الدولة الأسلامية من تشتيت الانتباه عن المشاكل الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للاقليم.

الأزمة المالية

تعاني حكومة اقليم كوردستان حاليا من أزمة مالية حيث ان لديها ديون تقدر على الأقل بـ ١٩ بليون دولار ودعاوی قضائية مرفوعة ضد الاقليم من قبل شركات نفط دولية تقدر بأكثر من ١٣ بليون دولار. کما ولايزال اقتصاد اقليم كوردستان العراق مبني على بيع النفط بحوالي ١٠٠ دولار للبرميل الواحد  بينما تدنت الأسعار إلی ٤٠$-٥٠$ للبرميل، علاوة علی ذلك، فإن نسبة التوظيف العالية في كوردستان العراق التي تبلغ ٥٣-٦٥% في القطاع العام  وحجم الرواتب الذي يتراوح بين ٧٠٠-٨٠٠ مليون دولار في الشهر الواحد يعکس وبوضوح حجم المشکلة. فعلی الرغم من ذلك، فان تبرير التضحيات الاقتصادية التي يقدمها المواطنون-  بالادخار الهائل للرواتب- عادة ما يعزی إلی الحرب ضد الدولة الأسلامية وليس بالفشل الهيکلي في اقتصاد اقليم كوردستان.

تقدر الكلفة التي تكبدتها حكومة اقليم كوردستان العراق في الحرب ضد الدولة الأسلامية بـبليون دولار لحد الان، اخذا بنظر الاعتبار كم المعونات والمساعدات المالية  التي استلمتها حكومة اقليم كوردستان لمشاركتها في الحرب (امريكا لوحدها قدمت ٤١٥ مليون دولار) في حين ان المبلغ الذي تم صرفه اقل بكثير. بالإضافة إلی ذلك فان النزوح الذي نتج من الحرب يلقی عليه اللوم الكثير علی أنه سبب وراء  الأزمة المالية. ولكن وبالرغم من انهم يشكلون عبئا على النظام، إلا أن حجمه محل تساٶل. إذ لا شك أن المهجرين جلبوا الكثير من اموالهم الى اقليم كوردستان حينما نزحوا إليه ومايزالون يستلمون رواتبهم ومستحقاتهم التقاعدية من بغداد. بالاضافة الى ذلك، فان تواجد عدد كبير من النازحين أدى الى ازدياد نشاطات العديد من منظمات المجتمع المدني في اقليم كوردستان. لذلك بالرغم من الجهد المالي الاضافي الذي يسببه الحرب ضد الدولة الأسلامية ووجود النازحين، فإن هذه الأمور لاتعد بالكثير مقارنة بالتكاليف التشغيلية وديون حكومة اقليم كوردستان. بالمحصلة، هزيمة الدولة الاسلامية ستكون ذا تأثير قليل للتخفيف من وطأة الأزمة المالية، بل أنها ستفرض مزيدا من الضغط للتخلص من الشدة الحالية.

تفعيل البرلمان

منذ السنة الماضية تعمل حكومة اقليم كوردستان بدون برلمان فاعل.إذ بدأت المشکلة مع المفاوضات المطولة المتعلقة بمدة وسلطة رئيس اقليم كوردستان العراق حيث وصلت هذه المفاوضات إلى طريق مسدود في آب ٢٠١٥ والتي تبعتها احتجاجات متقطعة في السليمانية في تشرين الأول من نفس العام حيث قتل فيها ٥ أشخاص واتهم فيها الحزب الديمقراطي الكوردستاني حزب التغيير (حزب كوران) بتحريضها على هذه الأعمال. في المقابل وكرد فعل لما حدث في ١٢ تشرين الأول ٢٠١٥ تم منع رئيس برلمان اقليم كوردستان من دخول اربيل من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني مؤديا بذلك إلى إيقاف جلسات البرلمان. بالإضافة إلى ذلك قام الحزب الديمقراطي الكوردستاني باستبعاد خمس وزارء من حزب التغيير من الكابينة الوزارية.

جدير بالذکر، أن الخطابات السلبية التي أطلقتها كافة الأحزاب ذات الصلة أدت إلى تدهور العملية السياسية واتساع الفجوات فيما بينهم، مرجحة کفة الميزان إلى عدم إمكانية التوصل إلی اتفاق. بالإضافة إلى القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية وبنيوية في اقليم كوردستان ، فإنه من الضرورة أيضا أن يتم تفعيل البرلمان وأن تحل القضايا المتعلقة بالرئاسة. فضلا عن ذلك، حالما تتم هزيمة الدولة الاسلامية سيزداد التركيز على السياسات الداخلية ومن المرجح أن تزداد حدة التوترات حول هذه القضايا، لذا من المهم جدا حل هذه القضايا الآن بدلا من الانتظار الى سنة اخرى الى حين الانتخابات القادمة.

الاستقلال

في ٢ شباط ٢٠١٦ دعا السيد مسعود البارزاني إلى إجراء استفتاء حول الاستقلال، لكن من المهم ملاحظة أنه لايوجد في التاريخ الحديث كيان قد أعلن استقلاليته بوجود ديون تصل إلی مستويات وصل إليها إقليم كوردستان العراق. وعند اضافة هذا الأمر إلى الأزمة السياسية  فضلا عن الافتقار الملحوظ للدعم الدولي، يصبح الاستقلال في اي وقت قريب أمرا مستبعدا. يجدر بالإشارة إلی أن خطاب الاستقلال  قد هدأ بشكل ملحوظ عندما أقتربت عملية تحرير الموصل وبعد زيارة البارزاني لبغداد في ايلول ٢٠١٦ حيث غلبت لهجة التعاون على الزيارة التي تم دعمها باتفاقية نفطية وقعت بين اربيل وبغداد في آب ٢٠١٦. الا ان حرکة التغيير حاولت أن تصل إلی اتفاق منفصل مع بغداد من أجل تأمين التمويل لمحافظة السليمانية وذلك بسبب اضراب التدريسيين هناك.

في الوقت الحالي تحتاج حكومة اقليم كوردستان الى بغداد ،والعكس صحيح، والوحدة مطلوبة من جهة الكورد للوصول الى اتفاق مع بغداد الا ان الخطاب المستمر حول موضوع الاستقلال والأراضي المتنازع عليها يحول دون تحقيق هذا الهدف. يحتاج الكورد الی التکاتف من أجل الوصول الى اتفاق سياسي يتضمن الميزانية والنفط والغاز مع بغداد. علاوة على ذلك فإن الحصول على التمويل الدولي  يمکن أن تتحقق فقط من خلال الوحدة بين بغداد واربيل.

الالتفاف حول الراية

أدى القتال ضد الدولة الاسلامية لحد ما إلى تشتيت الانتباه بعيدا عن الوضع الصعب الذي يمر به اقليم كوردستان، فيما تم تنسيب الكثير من المشاكل التي تؤثر على الإقليم ، صحيح كانت هذه التأويلات أم لا، الى الصراع الموجود ضد الدولة الإسلامية. ان الحرب ضد الدولة الإسلامية ،بالإضافة إلى المحسوبية، تعد مسؤولا بشكل جزئي عن انعدام الاحتجاجات ،باستثناء السليمانية على الأقل، ضد المشاكل السياسية والاقتصادية في اقليم كوردستان. يبدو أن تأثير الالتفاف حول الراية جلي في اقليم كوردستان وأن الشعب بات داعما للبيشمركة بكل الطرق الممكنة مظهرا الولاء من خلال عدم التظاهر بشكل واسع. ولكن عندما تتم هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية قد يزول هذا التحفظ. لذا من الضروري أن تجري محاولات لحل هذه القضايا قبل هزيمة الدولة الإسلامية وذلك لتفادي الفوضى التي من الممكن أن تتبعها مظاهرات على نطاق واسع في اقليم كوردستان.

المضي للأمام

سواء أن کانت ذو صلة مباشرة بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية أم لا، فإن العديد من القضايا في اقليم كوردستان العراق ستظهر إلى العيان، لذا يجب القيام باللازم الآن من أجل تجنب أزمات أخرى في الإقليم. ان الأجواء السياسية السلبية تحتاج الى التغيير والحوار والتنازلات ضرورية. يحتاج الخطاب المتسم الاتهامات والاتهامات المضادة الی ان يتوقف وأن يفسح المجال للمساومات بين الأحزاب والتعاون علی القضايا الطارئة. ومع هذه القضايا المتعددة وحقيقة أنه لايملك أي حزب الأغلبية، هناك حاجة لتاسيس حكومة ائتلاف جديدة. وعلى اولئك الذين يودون أن يبقوا في الجهة المعارضة عليهم أن يبقوا كذلك، ولكن عليهم أن يتصرفوا كجهة مراقبة ومتابعة بدلا من أن يكونوا مانعين للنظام السياسي. يقع إقليم كوردستان على مفترق الطرق  وفي وضع قد تزداد فيها الانقسامات والفجوات وإذا ماتركت کذلك دون الوصول إلی حلول فمن الممكن أن يصل الى مستويات يتعذر اصلاحها. ان التقدم السياسي ضروري جدا الأن أكثر من أي وقت اخر، وليس الاستقلال ماهو معرض للتهديد بعد الأن وانما هي وحدة اقليم كوردستان ككيان منفرد.

أنقر هنا لتحميل التقرير السياساتي


:يقتبس من

O’Driscoll, D. (2016) The Day After: Governing the KRI, MERI Policy Brief. vol. 3, no. 19.


الآراء الواردة في هذا المنشور تعکس آراء الكاتب وليس مٶسسة الشرق الأوسط للبحوث

Comments are closed.